بقلم زكريا حناش
إضرابي عن الطعام في حبس الحراش.
يقوم المساجين بالإضراب عن الطعام كوسيلة للإحتجاج و التنديد من أجل إيصال مطالبهم و رفضهم للتهم و للوضع المزري الذي يعيشونه في السجون.
سجن الحراش : انعدام لأبسط الحقوق الإنسانيّة
فأنا منذ أول يوم من ايداعي السجن فكرت بالقيام بالإضراب عن الطعام ، فإخترت يوم 08 مارس ، لرمزيته على أساس أنه اليوم الدولي للدفاع عن حقوق المرأة، لذلك قمت بطلب و أرسلت رسالة للنائب العام ، قاضي التحقيق ، مدير السجن بأنني سأبدأ إضرابي عن الطعام تنديدا للمتابعة القضائية و كل الإجراءات الجزائية التعسفية التي اتخذت ضدي من إعتقالي ، وضعي تحت النظر و سجني ، و رفضا قاطعا لكل التهم الموجهة ضدي التي أعتبرها كإهانة لي ولعائلتي و إنتقاماً لنضالي و مواقفي،
و أيضا تنديدا و إحتجاجا عن الوضع المزري الذي أعيشه في السجن الذي لا يلقى لأبسط الحقوق الإنسانيّة التي ملزم على ادارة السجن توفيرها .
فتم عزلي عن بقية المسجونين و أخذوني إلى العزلة الأمنية للجانب النسائي سابقا (أين تم تحويل كل النساء إلى حبس القليعة) ، فبقيت هناك مدة يومين ، ثم تم تحويلي إلى العزلة الأمنية المنطقة B ,
بعد ذلك تم قدوم اثنين من معتقلي القانون العام على اساس أنه قاموا بإضراب عن الطعام من أجل مطالبهم ، منذ قدومهم و هم في مشاكل ، يحاولون اعطائي الأكل ، هنا فهمت أنه كل شيئ كان مبرمجا و هم ما إلا مبعوثين من ادارة السجن ، و بعد أسبوع تماما ، ازداد العدد ووصل إلى 7 في غرفة فيها إلا 04 أسرة، و بدأت المشاكل تكبر بينهم، كل مرة الحراس يقومون بالمداهمة من أجل ايجاد الأكل لكي يعاقبونا .
و بعد مرور أسبوع كانت الإدارة تقوم بأخذنا بالقيام بالفحوص الطبية ، هنا كانت عندي آلام في الكولون و بدأ الألم يزداد بعد مدة الإضراب عن الطعام ، و عندما دخلت عند الطبيبة ، حدثتها عن آلامي ، فلم يهمها الأمر تماما ، أخذت مقاييس السكر و الضغط الدم و طلبت مني الخروج، و هذا ما رفضته تماما ، فتحدثت معي بلهجة حادة و استدعت الحارس لإخراجي ، فلم أتقبل معاملة الطبيبة ، لأن دورها علاجي و هي تأخذ أجرها لهذا الدور.
ظروف مزرية و قاسية وغير إنسانية
في تلك الليلة تعرضت لآلام حادة في الكولون ، و رغم طلبي اخذي للعيادة ، رفض الحراس أخذي للعيادة رغم حالتي و الآلام التي تعرضت لها ، ففي السجن لا يتم أخذك للعيادة في الليل إلا إذا سقطت تماما و حالتك حرجة تماما ، يتم أخذك لتفادي موتك فقط في السيلونة ، اما معاناتك ولا آلامك لا تهمهم تماما. تحملت الآلام و قررت مواصلة الإضراب عن الطعام رغم ذلك ، و بعد يومين دخلت مرة أخرى لنفس الطبيبة لأنه كل مرة يغيرون طبيب .
لكني تحدثت معها هذه المرة باللغة فرنسية فقط ، فهذه المرة نظرت إلي ، لأن الأطباء لا ينظرون أصلا للمساجين ، يملؤون الملفات و يطلب منك الذهاب ، فتغيرت معاملتها لي ، ثم طلبت مني سبب وجودي في السجن ، فأخبرتها أنني ناشط حقوقي و سجني ما هو إلا بسبب مواقفي و مبادئي، و أنني عامل في مجمع سونلغاز و كنت أعمل في الصحراء (الأجور مرتفعة مقارنة بالشمال) ، فقالت لي : “ما يستاهلش تضحي على شعب كيما هذا، راك فالحبس ، كيفاش تضحي على جال هذوا الأوباش” ، هنا دخلت في النقاش الذي كنت أبحث عنه، فرديت عليها : “المرة الماضية دخلت عندك و قلت لك أنني أتألم ، فلم تعيريني اعتبار ، اعرف أنك تعتبريني مجرم خاصة في الملف مكتوب تهم الارهاب، لكنك هنا لم تعاملينني كمريض و لم تلعبي دورك كطبيبة، فقد عاملتني كمجرم” فقاطعتني وقالت “بالاك انت وليد فاميليا ، بصح هنا كاين غير عاهات المجتمع و ليكريمينال، يتلاقاك برى ما يرحمكمش” ،
رديت عليها “ختي انت هنا طبيبة و خالصة باش داوي المرضى مهما كانوا، و اذا ما قدرتيش تتعاملي مع مجرمين ، ما تخدميش فالحبس”.
بقيت مدة و هي تخزر فيا ، ثم بدأت تشرحلي لماذا و كيف تأتيني الآلام ، ثم أعطتني حقنة، ثم أخبرتني بأنه لا يمكنها القيام بأي شيئ بما أنني مضرب عن الطعام لأن الأدوية ستظرني أكثر مما تنفعني، و إذا تدهورت حالتي يعطوني السيروم فقط و أن إضرابي عن الطعام يضعف من مناعتي و يعرضني لأعراض و أمراض خطيرة ،
ثم أعطت لي إسمها و قالت لي ، إذا كاش ما صرالك ، اعطيلهم اسمي برك و راح نوصي عليك الأطباء الآخرين”.
و بعد ذلك كل يوم يأتي مسجون جديد للعزلة الأمنية ، فاصبح العدد 13 مضربا عن الطعام في قاعة عدد استعابها هو 04 اشخاص ، ثم بعد المداهمة وجدوا الأكل ، فقررت الإدارة معاقبتنا بعدم تركنا الخروج من الغرفة ، تصوروا انت تبقى في غرفة مع 13 شخص 24/24، لكني رغم ذلك تمسكت بإضرابي عن الطعام و فهمت أنه ما هو إلا سيناريوا من ادارة السجون .
في اليوم 18 من إضرابي ، كنت نايم ، فأيقظني أحد المساجين ، ليخبرني أنه احد اللي كان معنا يقوم بشنق نفسه، لأجده علق نفسه و بدأ يتخبط ، فلم يتحرك أحد و الكل يشاهد فيه ، فجريت نحوه و رفعته لكي يحاول التنفس و صرخت بكل ما عندي و أطلب النجدة من الحراس ، تصوروا 11 شخص موجودين في الغرفة ، ولا واحد تحرك ، حتى دخل الحراس و أتوا ساعدوني .
معانات يتعرض لها معتقلي الرأي
من روع ذلك المشهد و خاصة ردت فعل المساجين الذين كانوا معي قررت ايقاف إضرابي عن الطعام. اردت كتابت هذه الشهادة لكي تعرفوا أن الإضراب عن الطعام هو عبارة تضحية بحد ذاتها ، و بعد مدة المضرب عن الطعام يتعرض لآلام و مشاكل صحية عويصة و هناك من تعرض لوعكات صحية خطيرة و هناك من أصبح له أمراض مستعصية جراء الإضراب ،
و أن معاملة إدارة السجون و الطواقم الطبية غير إنسانية إلا من رحم ربي ، دون نسيان المرحوم “كمال الدين فخار” الذي توفي داخل السجن بسبب إهمال إدارة السجنً و معاملتهم اللانسانية له ،
فتوفي نتيجة ذلك . كل مرة اكتب ذكرياتي في السجن لكي أوصل و لو القليل من المعانات التي يتعرض لها معتقلي الرأي من ضلم تعسف و ظروف مزرية و قاسية غير إنسانية..